مدخل 2792 – طريق 5746- مجمع 457 – بوقوة- مملكة البحرين
info@sulwanhospital.com
1008 1700
لنحميهم ونحتويهم

لنحميهم ونحتويهم

راجعتني قبل شهرين من الآن طفلة لم تتجاوز الست سنوات برفقة أختها الكبرى غير الشقيقة وإحدى المحاميات طلباً لدراسة الحالة النفسية للطفلة، وذلك بسبب ملاحظتهما بعض السلوكيات الغريبة والتي لا تتناسب مع عمرها حسب قولهما. قضيتُ الساعة الأولى من الاستشارة مع الأخت الكبرى لمعرفة التاريخ العائلي الطبي والنفسي للطفلة، حيث تبيّن أنها عاشت السنتين الأوليتين من عمرها مع الوالدين إلا أنها كانت ترى شجاراتهما المستمرة وشهدت على تعنيف الأب للأم إلى أن تم الطلاق بينهما وحُرمت الأم من حضانة الطفلة الصغيرة طوال أربع سنوات، حيث عاشت الطفلة خلالها مشتتة بين الجدة للأب نظراً لانشغال الأخير بأعماله الخاصة، وبين الأعمام والعمات نظراً لكبر سن الجدة، وأخيراً استقرت عند الأخت الكبرى لمدة وجيزة لاحظت خلالها بعض السلوكيات الغريبة على الطفلة مثل: رفض أقرانها رفضاً قاطعاً وتفضيلها الجلوس مع الكبار، وتجنبها الشديد للحديث مع الرجال والاقتراب منهم، والالتصاق بالحيوانات الأليفة بشكل مبالغ فيه، وحديثها المتكرر عن الزواج والعلاقة بين الرجل والمرأة. بعد ذلك أمضيت ساعةً أخرى مع الطفلة لإجراء التقييمات المناسبة لها، وذلك من خلال اللعب والأنشطة غير الموجهة، بالإضافة إلى اختبارات الذكاء والسلوك المناسبة لعمرها.

تبين من خلال نتائج التقييم أن الطفلة تقع في مستوى ذكاء أقل من المتوسط وقد تعود هذه النتيجة لعدم انتظامها في أي برنامج دراسي مناسب لعمرها، كما تبين أنها تعاني من اضطراب التكيف المتمثل في سوء التوافق الكلي لاسيما في المجال الشخصي، والمجال الأسري، والمجال الاجتماعي. وعليه فقد تم إعداد تقرير نفسي يتضمن نتائج الملاحظة الإكلينيكية للطفلة بالإضافة إلى نتائج الاختبارات النفسية وتسليمه للأخت، التي استعانت بالمحامية للمطالبة بحضانة الطفلة لوالدتها نظرا لأهمية تقديم العناية والرعاية والاهتمام للطفله بما يحقق سلامتها وصحتها البدنية والنفسية، الأمر الذي أسفر عن ضم حضانة الطفلة إلى والدتها في نهاية الأمر.

يسود اعتقادٌ خاطئ في مجتمعاتنا مفاده أن الاضطرابات النفسية لا تصيب إلا الكبار فقط، في حين أننا نرى العديد من المؤشرات التي تشير إلى أن الأطفال هم الآخرون معرضون للإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة، الأمر الذي استدعى ضرورة ظهور الأدوات والمقاييس المناسبة التي تهتم باكتشاف وتشخيص تلك الاضطرابات وبالتالي إعداد البرامج الإرشادية والعلاجية التي تهدف إلى التدخل المبكر والعلاج. وتختلف أسباب الاضطرابات النفسية لدى الأطفال فمنها ما يعود للعوامل البيولوجية والوراثية المرتبطة بمستويات الناقلات العصبية في الدماغ، ومنها ما يعود للبيئة التي يعيش فيها الطفل وخصوصاً الجو داخل الأسرة. ويعتبر الوالدان أحد أهم الأسس التي ترتكز عليها البرامج العلاجية للأطفال، حيث يقومان بمهمة “مساعد المعالج” من خلال تعلمهما مهارات تجعلهما أكثر استعداداً وكفاءة لمساعدة الأبناء للتغلب على مشكلاتهم النفسية والسلوكية.

ولكن ماذا إذا كانت الركيزة الأساسية لعلاج اضطرابات الأطفال (الوالدان) مصابة بخللٍ ما؟ وماذا إذا كانت هي أساس الاضطراب لدى الطفل؟ حيث يشير الدكتور يخلف رقيبة في دراسة نشرها حول “المشكلات الأسرية وأثرها على تنشئة الطفل” إلى أن أغلبية المشكلات التي يتعرض لها الطفل في حياته من الناحية العقلية والنفسية والاجتماعية والانفعالية تكون نتيجة للمشكلات الأسرية التي نشأ عليها، كما أن طبيعة الأسرة سواءً كانت موحدة أو مفككة ستحدد مستقبلاً أسس شخصية الطفل إما سوية وإما تعاني من المشكلات والاضطرابات النفسية. وبالرجوع إلى قصة الطفلة المذكورة أعلاه نجد أن العنف الأسري الذي شهدته بين الوالدين، ومن ثم انفصالهما وحرمانها من الأم وعدم تلقيها الرعاية الأسرية المناسبة، أدى بها إلى اضطراب سوء التكيف الذي شمل ظهور مشكلات شخصية، وأسرية، واجتماعية لديها.

يُذكر في الأثر أنه لا يوجد في حقيقة الأمر أطفال مسببون للمشاكل بحد ذاتهم وإنما يوجد آباء مسببون لظهور هذا النوع من الأطفال، وما أقسى أن تكون الخلافات بين الوالدين معولاً يهدم النمو النفسي السليم للأطفال وينشأ عوضاً عنه اضطرابات نفسية ومشكلات سلوكية لديهم!!

 

خديجة العويناتي

أخصائية العلاج النفسي والسلوكي

 

 

 

Add Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Open chat