مدخل 2792 – طريق 5746- مجمع 457 – بوقوة- مملكة البحرين
info@sulwanhospital.com
1008 1700
الإحتراق الوظيفي

الإحتراق الوظيفي

الأسباب والمعالجات

د.عبداللطيف الحمادة – استشاري الطب النفسي/ مركز سلوان للطب النفسي
ينشغل الكثيرون في محاولة معرفة كيفية التعامل مع الضغوط النفسية في العمل أو طرق التعايش معها لما ينجم عنها من تدهور كبير في الانتاجية والعلاقات الاجتماعية داخل المؤسسة.
وهكذا يُنفق على دورات تدريبية وورش عمل عديدة، ولكن يبقى تأثيرها محدودا ويظل الموظفون بدون تغيير حقيقي في سلوكهم الوظيفي؛ ويراوحون في أماكنهم فنرى منهم من لا يلتزم بعمله، وآخرون يقضونها اجازات مرضية وسنوية وآخرون ساعات دوامهم مرهونة بإنجاز الأعمال والواجبات فقط. بينما هنالك من يسعى بشتى الطرق من أجل تقديم الخدمة بتفاني ويكافح من اجل البقاء.
والغريب في الأمر أنه لا زال يهتم الكثيرون ونحن نقترب من طي العقد الثاني من الألفية الثالثة بالترقيع بالانشغال في معالجة النتائج دون الالتفات الى الأسباب،  فتُعزى  الآثار النفسية كالقلق والرهاب والاكتئاب واضطراب التواصل مع الآخرين الى صعوبة تكيف الموظفين مع ضغوط العمل.ويبدو أن لا أحد قادر على بحث الأسباب أوالخوض فيها أو بالأحرى لا أحد يريد فعل ذلك أو التورط فيه، فتنصب الحلول على مبدأ الثواب والعقاب والتدريب  والمحاضرات حول التكيف مع الضغوط النفسية لإعادة تأهيل الموظفين وتوسيع طاقتهم الاستيعابية.
وحينما نتحدث عن الضغوط النفسية فإننا نتحدث عن أكوام من الضغوط التي قد تكون منغصات من صنع الانسان، على سبيل المثال حين يتولى شخص غير مناسب وظيفة او منصباً مهماً فكل ما يحتاج إليه  الأمر هنا هو  فساد ذلك الموظف المسئول إداريا أو أخلاقيا أو مالياً  أو  جميعها. فيملأ المؤسسة بموظفي البطالة المقنعة الموالين له ولتوجهاته ويبدأ تفشي الواسطات والمحسوبيات ويثبت هؤلاء الموظفين في أماكنهم وقد يترقون مكافأة لهم على ولائهم لهذا المسئول. ويبقى هؤلاء الموظفون أسفينا في قلب المؤسسة حتى بعد انقضاء فترة ذلك المسئول لينغصوا على من يأتي بعده ويسببوا له ضغطا نفسيا شديداً وهذا يسمى “الضغط النفسي التبادلي”.
ويسمح المسئول الفاسد لموظفي البطالة المقنعة أن يشاكسوا ويتمردوا ويخطئوا ولا يحترموا ويعملوا ما يشاؤون. ومما يبعث على المزيد من الضغط النفسي للموظفين الآخرين أن هناك من يجامل ويتظاهر بإيمانه بقدراتهم الواهية ويدعمهم بقوة من داخل المؤسسة وخارجها.أما المثابرون والمتميزون أخلاقياً و وظيفياً وإجتماعياً فهم يعيشون في وسط ذلك الضغط النفسي وبيئة العمل غير الصالحة ويتأثرون سلبياً. فتهدر طاقة المؤسسة ويصبح حالها كسلك الكهرباء الذي يثنى عدة مرات حتى يتشابك فيسخن بشدة نتيجة تحول الطاقة الكهربائية الى طاقة حرارية ضائعة.فتجد في تلك المؤسسات العديد من الطاقات المعطلة والمهدورة بسبب الاحتراق الوظيفي الذي يقضي على دافعية الموظفين للعمل ويؤثر على علاقاتهم الشخصية والاجتماعية، ويتسبب بنشوء تكتلات صغيرة متعددة ذات اهداف مختلفة و ربما متضادة داخل المؤسسة.

فحينما يتعرض الموظف الى  حالة من الإنهاك الفكري والعاطفي والجسدي والتي تظهر على شكل سلوكيات سلبية تجاه عمله نتيجة للضغوط النفسية المزمنة، فهذا هو الاحتراق الوظيفي. ويتبلور الأخير  في جملة من الأعراض الاكتئابية وأعراض القلق واضطراب التواصل  كآلام الجسد والسمنة وكثرة الأمراض الجسدية والارهاق وصعوبات الادراك مثل ارتكاب أخطاء ساذجة، ونسيان الأشياء المهمة، والانفعالات الشديدة، أو الشعور بالندم أو الذنب مع صعوبات في العمل والعلاقات الشخصية والإجهاد والتوتر ، مما قد يؤثر سلباً على علاقاته الأسرية  فالإجهاد يدفعنا إلى اعتماد سلوكيات غير مرغوبة مثل التصرف بتهور، والتورط في مشكلات سطحية لا داعي لها، والانطواء والعزلة  اضافة الى الشعور بالإرهاق والتعب عند الاستيقاظ رغم النوم لساعات كافية وفقدان اللذة في أي شيء .

أن الاحتراق الوظيفي يحول الموظف إلى شخص سلبي للغاية، فيصبح  دائم التركيز على الجوانب السلبية لأي موقف، أو يطلق الأحكام على الآخرين ويسخر منهم غالبا، ويؤدي الإرهاق واستنزاف الطاقة في بيئة غير صحية إلى الشعور بعدم الرضا، وهو ما ينعكس سلبا بدوره على أداء المهام؛ إذ يشعر الفرد بصعوبة في إنجاز العمل، وعدم الرضا الدائم عن أداءه ونتائجه فغالبا ما يشعر الفرد بسعادة ورضا عندما يلتحق بوظيفة جديدة، ويكون لديه دافع قوي لإثبات نفسه، لكن هذا الدافع يتلاشى مع الدخول في مرحلة “الاحتراق الوظيفي”، حتى وإن كان الفرد قادرا على إنجاز المهام المطلوبة منه. وأحيانا تتحول الدوافع إلى مجموعة من الأفكار السلبية، مثل الخوف من المسئولين أو التعرض لإنهاء الخدمة أو الإخلال بمواعيد انجاز المهام المحددة . والمتميزون هم أكثر الناس عرضة للوصول إلى “الاحتراق الوظيفي” لحرصهم على إنجاز أعمالهم على النحو الأمثل، ولكن الإجهاد المستمر يقلل معدل الانجاز .
و رغم كل هذا لا أحد يستطيع أن يحرك ساكنا، وللأسف حتى المثابرون ليس أمامهم سوى ان يتقبلوا طعم الحريق في داخلهم وأن يصمتوا  ففي حالة رصدهم  لما يجري سوف يوصمون بأنهم غير متكيفين ومتذمرين  لعدم تمكنهم من التعامل السليم مع الضغوط النفسية. والتي هي في حقيقتها ضغوط مصطنعة وأزمات مفتعلة  والتي من بينها مزاج المسئول أو الموظف المتقلب أو عدوانيته أو  جهله وافتقاره للحكمة.
وترى الموظف المقصر دائم الانتقاد للمثابرين ويتذمر من طريقة قيامهم بعملهم، وهنالك من يدعمه بفعل المحسوبيات وتطابق الميول والاتجاهات. بينما يعجز المثابرون عن الابداع في هذه البيئة الخانقة وغير المشجعة  لان لسان حالهم يقول  حسبنا أن  ننجوا من اللوم.

ولا يمكن التخلص من الضغوط النفسية وما ينجم عنها من إحتراق وظيفي إلا بالنزاهة والكفاءة والخلو من الاضطرابات النفسية التي تسبب أعراضا يجب التنبه لها والتعرف عليها  كالنرجسية والشعور بالعظمة والعدوانية وتقلب المزاج والشعور بالاضطهاد والشكوك والخوف والتردد وانعدام الثقة والتجنبية والوساوس وغيرها مع ضرورة علاجها وتكليف الموظف بمهام  تتناسب وحالته النفسية أو  إحالته الى التقاعد،
كما يجب عدم تحميل  العنصر البشري ما لا طاقة له به  بسبب عدم توفر الامكانات، ويجب اتباع الشفافية والوضوح  مع جميع الموظفين بمعنى ان تكون الادارة بضمير و مهنية  فتبنى على أساس الصراحة والاحترام والوضوح والعلمية وأن يعرف جميع الموظفين استراتيجية واهداف مؤسستهم وان يعرفوا جميع القرارات فليس هنالك شيء في الخفاء وليس هنالك مفاجآت وليس هنالك دكتاتورية أو بيروقراطية وان يتصرف الموظف كبيرا ام صغيرا على وفق الوصف الوظيفي له وضمن نطاق صلاحياته  ولا يرتكز على النفوذ والمعارف فهذا هو الترهيب الوظيفي.

ولابد من الاعتماد على تطبيق معايير الأداء والكفاءة و ضمان الجودة والتأكيد على الدقة والسرعة في الانجاز فلابد أن يكون هناك من يرصد المتميزين ويرشحهم للحصول على الترقيات فالأخيرة ليست حق مكتسب للجميع فلكل مجتهد نصيب ولا يحق للموظف ان يطلبها بل ان تمنح له في وقتها وحسب استحقاقه المعتمد على معايير التقييم الدقيقة من قبل النظام الاداري،  وله الحق ان يطالب بها اذا كان يستحقها وفق المعايير المذكورة حتى إذا تم تأخيرها  او حجبها ترسل رسالة تحريرية له في موعد الاستحقاق تشرح اسباب حجب الترقية ومعايير التقييم . ويجب ان يكون هنالك من يرصد المثابرين  من الموظفين وفق معايير علمية و دقيقة وعادلة  لترشيحهم لمناصب إدارية دون الحاجة لتقديمهم طلبات او تدخل الواسطات .
و لتجنب الوصول لمرحلة الاحتراق الوظيفي الحرجة ، ينبغي الانفصال عن العمل ومشاكله بمجرد انتهاء ساعات العمل الرسمية وأخذ قسط من الراحة الجسدية والنفسية في أوقات محددة يوميا للمساهمة في استعادة النشاط وتجديد الدافعية للعمل.
ولابد من  الانتباه لأية أعراض مرضية جسدية أو نفسية جديدة، مثل الصداع الدائم أو ألم القولون، ومدى ارتباط الأمر بالإجهاد وكثرة العمل، ومن الممكن تقليل حدة  “الاحتراق الوظيفي” أيضا من خلال إجراءات تلطيفية مثل: تحديد أوقات للاسترخاء وممارسة أنشطة محببة، وتنظيم الوقت لتحقيق أقصى استفادة منه دون معاناة من الإجهاد، وأخذ أوقات للراحة وسط يوم العمل ولو لفترة وجيزة ، ومحاولة تجنب الأشخاص والمؤثرات والمناطق السلبية .

 

 

Open chat